سورة يونس - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يونس)


        


هذه آية خوطب بها جميع العالم، والموعظة القرآن لأن الوعظ إنما هو بقول يأمر بالمعروف ويزجر ويرقق ويوعد ويعد، وهذه صفة الكتاب العزيز، وقوله: {من ربكم} يريد لم يختلقها محمد صلى الله عليه وسلم بل هي من عند الله و{ما في الصدور} يريد به الجهل والعتو عن النظر في آيات الله ونحو هذا مما يدفع الإيمان، وجعله موعظة بحسب الناس أجمع، وجعله {هدى ورحمة} بحسب المؤمنين فقط، وهذا تفسير صحيح المعنى إذا تؤمل بان وجهه، وقوله سبحانه {قل بفضل الله وبرحمته}، الباء متعلقة بمحذوف استغني عن ذكره يدل عليه قوله: {وهدى ورحمة} قال بعض المتأولين وهو هلال بن يساف وقتادة والحسن وابن عباس الفضل: الإسلام، والرحمة: القرآن، وقال أبو سعيد الخدري: الفضل: القرآن، والرحمة أن جعلهم من أهله، وقال زيد بن أسلم والضحاك الفضل: القرآن، والرحمة: الإسلام، وقالت فرقتة: الفضل: محمد صلى الله عليه وسلم، والرحمة: القرآن.
قال القاضي أبو محمد: ولا وجه عندي لشيء من هذا التخصيص إلا أن يستند منه شيء إلى النبي صلى الله عليه سلم، وإنما الذي يقتضيه اللفظ ويلزم منه، أن الفضل هو هداية الله تعالى إلى دينه والتوفيق إلى اتباع الشرع، والرحمة: هي عفوه وسكنى جنته التي جعلها جزاء على التشرع بالإسلام والإيمان به، ومعنى الآية: قل يا محمد لجميع الناس: {بفضل الله وبرحمته} فليقع الفرح منكم، لا بأمور الدنيا وما جمع من حطامها، فالمؤمنون يقال لهم فلتفرحوا، وهم متلبسون بعلة الفرح وسببه، ومحصلون لفضل الله منتظرون الرحمة، والكافرون يقال لهم: {بفضل الله وبرحمته} فلتفرحوا، على معنى أن لو اتفق لكم أو لو سعدتم بالهداية إلى تحصيل ذلك، وقرأ أبي بن كعب وابن القعقاع وابن عامر والحسن على ما زعم هارون ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم «فلتفرحوا»، و«تجمعون» بالتاء فيهما على المخاطبة، وهي قراءة جماعة من السلف كبيرة، وعن أكثرهم خلاف، وقرأ السبعة سوى ابن عامر وأهل المدينة والأعرج ومجاهد وابن أبي إسحاق وقتادة وطلحة والأعمش: بالياء فيهما على ذكر الغائب، ورويت عن الحسن بالتاء من فوق فيهما، وقرأ أبو التياح وأبو جعفر وقتادة: بخلاف عنهم وابن عامر بالياء في الأولى وبالتاء في الآخرة، وقرأ الحسن بن أبي الحسن وجماعة من السلف ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم بالياء في الأولى وفي الآخرة، ورويت عن أبي التياح، وإذا تأملت وجوه ذلك بانت على مهيع الفصيح من كلام العرب ولذلك كثر الخلاف من كل قارئ، وفي مصحف أبي بن كعب، {فبذلك فافرحوا} وأما من قرأ {فلتفرحوا} فأدخل اللام في أمر المخاطب فذلك على لغة قليلة، حكى ذلك أبو علي في الحجة، وقال أبو حاتم وغيره: الأصل في كل أمر إدخال اللام إذا كان النهي بحرف فكذلك الأمر، وإذا كان أمراً لغائب بلام، قال أبو الفتح: إلا أن العرب رفضت إدخال اللام في أمر المخاطب لكثرة ترداده، وقرأ أبو الفتوح والحسن: بكسر اللام من {فلِتفرحوا}، فإن قيل: كيف أمر الله بالفرح في هذه الآية؟ وقد ورد ذمه في قوله
{لفرح فخور} [هود: 10]، وفي قوله {لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين} [القصص: 76] قيل إن الفرح إذا ورد مقيداً في خير فليس بمذموم وكذلك هو في هذه الآية، وإذا ورد مقيداً في شر أو مطلقاً لحقه ذم إذ ليس من أفعال الآخرة بل ينبغي أن يغلب على الإنسان حزنه على ذنبه وخوفه لربه، وقوله: {مما يجمعون} يريد من مال الدنيا وحطامها الفاني المؤذي في الآخرة.


هذه المخاطبة لكفار العرب الذين جعلوا البحائر والسوائب والنصيب من الحرث والأنعام وغير ذلك مما لم يأذن الله به، وإنما اختلقوه بأمرهم، وقوله تعالى: {أنزل} لفظة فيها تجوز، وإنزال الرزق، إما أن يكون في ضمن إنزال المطر بالمآل، أو نزول الأمر به الذي هو ظهور الأثر في المخلوق منه المخترع، ثم أمر الله نبيه بتوقيفهم على أحد القسمين، وهو لا يمكنهم ادعاء إذن الله تعالى في ذلك، فلم يبق إلا أنهم افتروه، وهذه الآية نحو قوله تعالى: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده} [الأعراف: 32]، ذكر ذلك الطبري عن ابن عباس، وقوله {وما ظن الذين يفترون على الله} الآية، وعيد، لما تحقق عليهم، بتقسيم الآية التي قبلها، أنهم مفترون على الله، عظم في هذه الآية جرم الافتراء، أي ظنهم في غاية الرداءة بحسب سوء أفعالهم، ثم ثنى بإيجاب الفضل على الناس في الإمهال لهم مع الافتراء والعصيان: والإمهال داعية إلى التوبة والإنابة، ثم استدرك ذكر من لا يرى حق الإمهال ولا يشكره ولا يبادر به فيه على جهة الذم لهم، والآية بعد هذا تعم جميع فضل الله وجميع تقصير الخلق في شكره، لا رب غيره.


قصد الآية وصف إحاطة الله تعالى بكل شيء، ومعنى اللفظ {وما تكون} يا محمد، والمراد هو وغيره {في شأن} من جميع الشؤون {وما تتلوا نه} الضمير عائد على {شأن} أي فيه وبسببه من قرآن، ويحتمل أن يعود الضمير على جميع القرآن، ثم عم بقوله {ولا تعملون من عمل} وفي قوله {إلا كنا عليكم شهوداً}، تحذير وتنبيه، و{تفيضون} تنهضون بجد، يقال: أفاض الرجل في سيره وفي حديثه، ومنه الإفاضة في الحج ومفيض القدام، ويحتمل أن فاض عدي بالهمزة، و{يعزب} معناه: يغيب حتى يخفى حتى قالوا للبعيد عازب، ومنه قول الشاعر [ابن مقبل]: [الطويل]
عوازب لم تسمع نبوح مقامه *** ولم تر ناراً تم حول محرم
وقيل للغائب عن أهله: عازب حتى قالوه لمن لا زوجة له، وفي السير أن بيت سعد بن خيثمة كان يقال: بيت العزاب، وقرأ جمهور السبعة والناس {يعزُب} يضم الزاي، وقرأ الكسائي وحده منهم: {يعزِب} بكسرها وهي قراءة ابن وثاب والأعمش وطلحة بن مصرف، قال أبو حاتم: القراءة بالضم، والكسر لغة، والمثقال: الوزن، وهو اسم، لا صفة كمعطار ومضراب والذر: صغار النمل، جعلها الله مثالاً إذ لا يعرف في الحيوان المتغذي المتناسل المشهور النوع والموضع أصغر منه، وقرأ جمهور الناس وأكثر السبعة: {ولا أصغرَ ولا أكبرَ} بفتح الراء عطفاً على {ذرة} في موضع خفض لكن منع من ظهوره امتناع الصرف، وقرأ حمزة وحده: {ولا أصغر ولا أكبر} عطفاً على موضع قوله {مثقال}، لأن التقدير وما يعزب عن ربك مثقال ذرة، و{الكتاب المبين}: اللوح المحفوظ، كذا قال بعض المفسرين، ويحتمل أن يريد تحصيل الكتبة، ويكون القصد ذكر الأعمال المذكورة قبل، وتقديم الأصغر في الترتيب جرى على قولهم: القمرين والعمرين، ومنه قوله تعالى: {لا يغادر صغيرة ولا كبيرة} [الكهف: 49] والقصد بذلك تنبيه الأقل وأن الحكم المقصود إذ وقع على الأقل فأحرى أن يقع على الأعظم، و{ألا} استفتاح وتنبيه، و{أولياء الله} هم المؤمنون الذين والوه بالطاعة والعبادة، وهذه الآية يعطي ظاهرها أن من آمن واتقى فهو داخل في أولياء الله، وهذا هو الذي تقتضيه الشريعة في الولي، وإنما نبهنا هذا التنبيه حذراً من بعض الوصفية وبعض الملحدين في الولي، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا سئل عن أولياء الله؟ فقال: الذين إذا رأيتهم ذكرت الله.
قال القاضي أبو محمد: وهذا وصف لازم للمتقين لأنهم يخشعون ويخشعون، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً أنه قال: «أولياء الله قوم تحابوا في الله واجتمعوا في ذاته لم تجمعهم قرابة ولا مال يتعاطونه» وقوله {لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} يحتمل أن يكون في الآخرة، أي لا يهتمون بهمها ولا يخافون عذاباً ولا عقاباً ولا يحزنون لذلك، ويحتمل أن يكون ذلك في الدنيا أي لا يخافون أحداً من أهل الدنيا ولا من أعراضها ولا يحزنون على ما فاتهم منها، والأول أظهر والعموم في ذلك صحيح لا يخافون في الآخرة جملة ولا في الدنيا الخوف الدنياوي الذي هو في فوت آمالها وزوال منازلها وكذلك في الحزن، وذكر الطبري عن جماعة من العلماء مثل ما في الحديث من الأولياء الذين إذا رآهم أحد ذكر الله، وروي فيهم حديث: «إن أولياء الله هم قوم يتحابون في الله وتجعل لهم يوم القيامة منابر من نور وتنير وجوههم، فهم في عرصة القيامة لا يخافون ولا يحزنون» وروي عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من عباد الله عباداً ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء بمكانهم من الله قالوا ومن هم يا رسول الله؟ قال: قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام ولا أموال»، الحديث، ثم قرأ {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون}، وقوله {الذين آمنوا} يصح أن يكون في موضع نصب على البدل من الأولياء، ويصح أن يكون في موضع رفع على الابتداء على تقديرهم الذين، وكثيراً ما يفعل ذلك بنعت ما عملت فيه أن إذا جاء بعد خبرها، ويصح أن يكون {الذين} ابتداء وخبره في قوله {لهم البشرى}، وقوله {وكانوا يتقون} لفظ عام في تقوى الشرك والمعاصي.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11